من هو الكاتب الرقمي ؟؟ عبده حقي
يتعلق الأمرمن خلال هذا التساؤل بوضع إعتباري لكاتب/مؤلف
يحدده في ملمحه الرئيسي طبيعة سند النشرالذي راهن عليه من أجل التواصل مع متلقيه أومن
أجل توثيق إنتاجاته الأدبية والمعرفية والعلمية ..إلخ
ولكي نضع تساؤلنا في السياق العام لمرحلته التاريخية
نطرح سؤالا آخريتطابق بالمقارنة الكلية بينه وبين سؤالنا في عنوان هذه المقالة : من
هوالصحافي الرقمي ؟؟
على إعتبارأنهما ـــ الكاتب والصحافي ــــ فاعلان
.. إجتماعيان .. ثقافيان وإعلاميان ــــ إنتقلا من سند للنشرقد تكون تجاوزته المرحلة
الموسومة بثورة (تكنولوجيا التواصل والمعلوميات) أوثورة (عصرالمعرفة والتواصل) كأساس
سندي لنسخ الأفكاروالآراء والمواقف…
هوإنتقال من سند للنشرترسخ في التاريخ الفكري الإنساني
منذ عشرين قرنا ، إلى سند حديث ينهض على دعامات إلكترونية تتكون من (حاسوب وبرمجيات
وتياركهربائي وربط شبكي)
.
إلى حدود هذا التعريف السابق يكون البورتريه الإعتباري
الذي رسمناه للكاتب الرقمي غيرتام إذا لم ينشرهذا الكاتب إنتاجاته الأدبية والعلمية
بواسطة مجموعة من الحوامل والأدوات الأساسية حتى يصيرمنتوجه الفكري مقروءا ، متداولا
وجاهزا للتلقي والنقد والأرشفة ..إلخ
هذه الحوامل هي بالدرجة الأولى جهازالحاسوب والصبيب
الشبكي والمنبرالإعلامي الرقمي ، وهنا مربض الفرس كما يقال ، بحيث أن كل منبر يمنح
للكاتب الرقمي وضعا إعتباريا يرتبط أساسا بخصوصية المنبرالوسيط الذي نشر/ ينشرفي صفحاته
، فهوإما مدون
Blogueur أوعضوفي منتدى Membre أوكاتب Ecrivain بالمفهوم التقليدي المتداول في عالم الأدب والنشر… هذا المنبرقد يكون
مدونة (بلوغا) شخصية ينشؤها الكاتب(ة) الرقمي على نطاق تسكين مجاني مقابل وصلات (فلاشات)
إعلانية إجبارية إما للمشاهدة أوللنقرclicks .. أوقد ينشئ موقعه باسم نطاق مؤدى عنه سنويا في إحدى السيرفات … أوقد ينشرعلى
صفحة مجلة ثقافية إلكترونية مثل (كيكا والكلمة والأوان وميدوزا وغيرها ) أوقد ينشرفي
مجلة ثقافية إلكترونية تتوفرأيضا على نسخة ورقية غيرأن النسخة الإلكترونية لايتم تحيينها
في غالب الأوقات إلا بعد أن يكون العدد الورقي قد نفذ من سوق العرض وتم إيداع المرجوعات
في أقبية شركة التوزيع ، ما يجعل من النسخة الإلكترونية هي الأبقى والأيسرعلى البحث
عبررابطها الخاص
URL على الشبكة العنكبوتية أوباستعمال أحد محركات البحث
المشهورة وعلى الخصوص غوغل .. لكنها في رأيي الشخصي عادة ما تكون هذه النسخة الإلكترونية
شبيهة بالحاجة المستعملة Piéce d’occasion الفاقدة لقيمة جدتها ودهشة قيمتها المضافة الأدبية والفكرية ، هذا في
حال إذا لم تكن هذه النسخة الرقمية تشوبها بعض النواقص على مستوى الرقانة والشكل ويسرالتصفح
وجمالية التناسق ..إلخ ، ويمكن أن نشيربهذا الصدد إلى بعض المجلات والصحف السيارة وطنيا
وعربيا مثل (الآداب البيروتية ـ العربي ــ دبي الثقافية ــ الكرمل ـــ اليوم السابع
ـــ طنجة الأدبية ـــ نزوى العمانية ـــ المدى العراقية ـــ الصدى ـــ الدوحة القطرية
ـــ والمعرفة السعودية ..إلخ)
وقد ينشرالكاتب الرقمي أعماله في مواقع مفتوحة كالمنتديات FORUM، وهذا صنف من المنابرالإلكترونية الموضوعاتية أوالشاملة
يتميزعموما قبل النشرفيه قيام العضو(ة) الجديد بإجراءات التسجيل وتوثيق المعلومات الشخصية
ثم بعد هذا يحصل على كود الدخول Login أي التأشيرة التي ستمكن هذا الضيف الجديد
من إدراج نصوصه أوتحديث إسهاماته أوالتعليق على إدراجات زملائه .. كما تتميزهذه المنتديات
بتعدد أقسامها وبتعدد الأجناس الأدبية والعلمية والمعرفية وبتعدد الملاحق الحرة الخاصة
ببعض الخدمات والنقاشات الإجتماعية والشات الثنائي ..إلخ
وقد ينشرالكاتب الرقمي أعماله في موقع من مواقع
التواصل الإجتماعي مثل الفيس بوك أو التويترأو المجموعات التي تمنحها غوغل Groupes Google ، لكن من دون شك أنه
يصعب على المهتمين بالنشرالإلكتروني تحديد ماإذا كان توفرأي شخص على صفحة فيسبوكية
خاصة لنشركتاباته الأدبية أن يسمى كاتبا رقميا بحيث من دون شك ستثارهنا مسألة المعيارية
الإبداعية والقيمة الجمالية والفنية والفكرية أيضا للمادة المنشورة نظرا لغياب هيأة
تحريرأولجنة مراجعة أو سيستيم الرقابة القارئة ، تلك المصفاة الآدمية التي تجيزأوتمنع
نشرأعماله ،إذ ليس كل ما ينشرعلى صفحة الفيس بوك إبداعا أدبيا ، لكن قد يكون الفيس
بوك بشكل من الأشكال ورشة لتطويرآليات ومهارات الكتابة والإبداع ونحت خصوصية الشخصية
الأدبية من خلال الإستئناس بتجارب الآخرين ، والرفع من مستوى الذوق العام أوتبخيسه
، بمعنى أن النشرفي مثل هذه الشبكات الإجتماعية يطرح إشكال الكاتب الرقمي بشكل أكثرحدة
وموضوعية نقدية مما تطرحه المنتديات FORUM بحيث هنا باستطاعة أحد أفراد الطاقم (إدارة
أومشرفين) أن يحذف مادة أويغلق حسابا لعضوما بشكل مؤقت أوبشكل نهائي إذا ما ثبت إخلاله
ببند من البنوذ التي وافق عليها في عملية التسجيل .
وأخيرا قد ينشرالكاتب الرقمي إنتاجاته ومؤلفاته
على صفحات كتاب إلكتروني
Ebook الذي يتم تصميمه على شكل PDF باستخدام برنامج (لوجيسيال Acrobat Reader ) الذي توفره مجانا شركة ADOBE إلا أن هذا الكتاب الإلكتروني وبهذا الشكل
/ الملف يحتاج إلى موقع تسكين ليتوفرعلى رابط شبكي URL/PDF حتى يتمكن القراء
من التواصل معه عبرالإنترنت . وتجدرالإشارة إلى أن Ebook وانطلاقا من التوقعات
الراهنة سوف يكون من دون شك هوكتاب المستقبل الأوسع تداولا وانتشارا ولقد نشأت العديد
من المؤسسات العالمية والعربية المتخصصة في هذا المجال .
لكن إلى حدود الآن يبدوأن البورتريه الذي وضبناه
للكاتب الرقمي وطرائق تواصله مع المتلقين مازالت تشوبه بعض القسمات الملتبسة إذ أننا
ألفينا أنفسنا بصدد كتاب رقميين (بصيغة الجمع) وليس كاتبا رقميا مفردا كما ترسخت صورته
النمطية في ذهنيتنا الورقية ، ثم من جهة أخرى ماكان لنا أن نطرح هذا السؤال الإشكالي
الراهن لولا التحولات الحاسمة والبنيوية التي قلبت ثقافةالنشرونشرالثقافة في العشرين
سنة الأخيرة ؟ وماكان لنا أن نطرح هذا السؤال أيضا قبل عشرسنوات بحيث كان العامل المحدد
زمنئذ للوضع الإعتباري للكاتب هوالحضورالمتردد في ساحة النشرالورقي سواء ضمن إضبارات
شعرية أومجاميع قصصية أودراسات نقدية أوعلى صفحات المجلات والملاحق الثقافية المغربية
التي مارست على مدى أكثرمن نصف قرن من الزمن أقانيمها المعيارية القيمية الفكرية وألإديولوجية
وأسهمت بإزميلها الثقافي الوازن في نحت إسماء العديد من الكتاب وترسيخ كاريزميتهم الأدبية
في المشهد الثقافي العام وبالتالي صارالتمتع بعضوية إحدى المنظمات الثقافية مثل ( إتحاد
كتاب المغرب) أو(إتحاد الكتاب والأدباء العرب) رهينا بتراكم النشرالورقي ووتحقيق بعده
الرمزي والمعنوي والأدبي في صنع شخصية الكاتب ، ما يعني في جانب آخرأن الآلاف من الأقلام
ما يمكن أن نصفهم ب (الأغلبية الصامتة) من آثروا مراكمة كتاباتهم لسنوات عديدة في مذكراتهم
الحميمية أوتقاسموا لذة نصوصها مع أصدقائهم موثرين هذا التغييب/الغياب القسري على مرارة
الفشل في تسلق سلاليم النشرالورقي أوفي حالات نادرة البحث عن مغامرة (للهجرة) إلى منابرالنشرالشرقية
.. هذه (الأغلبية الصامتة) هي التي وسمت كظاهرة سوسيوثقافية أواخرالألفية الثانية ،
وذلك بهجرتها الجماعية بدافع (الإكتشاف أوالإحتجاج أورد فعل على الحيف الذي مورس عليها
) إلى أسناد النشرالجديدة التي منحتها الشبكة العنكبوتية ، بما وفرته من مناولات وآليات
ومميزات رقمية تتعلق أساسا بالفورية والتحيين اللامحدود والتفاعلية والميدياتيكية والتشعبية
والجمالية التقنية والإنفراد بالعملية التواصلية من دون حاجة إلى فاعل وسيط ..إلخ وبقدرما
تطورت خدمات السيرفات وتعددت الأسناد وفضاءات النشرالإفتراضية (مواقع ـ مجلات ـ بلوجات
ـ منتديات ـ مجموعات ـ شبكات إجتماعية ) تسامقت واستعرت أيضا غواية الكتابة وتدفقها
التلقائي وتطورت ميكانيزماتها وأسرارها لديهم ما كان سببا في تألق الكثيرمن الأسماء
من هذه (الأغلبية الصامتة) التي شرعت أصداء ضجيجها تزحف شيئا فشيئا في الإتجاه المعاكس
على خارطة النشرالورقي وكانت بذلك إيذانا بإشراقة مرحلة جديدة في عالم الكتابة والنشرتنتفي
فيه الحدود بين الورقي والرقمي ويتمايزبالمد والجزربينهما وهي المرحلة التي يمكن أن
نصطلح عليها المرحلة الورقمية .
لكن في ظل الواقع الراهن الموسوم بانتقال مختلف
جسورالتواصل التقليدية المادية إلى الأسناد الإفتراضية وظهوربوادرإنهيارجدار (الميز)
بين النشرالورقي والنشرالإلكتروني ، ألا يمكن إعتبارجميع الكتاب اليوم كتاب رقميين
بالقوة سواء إستقلوا طوعا كبسولة النشرالإلكتروني أوسواء بانخرطهم الشبكي الطبيعي من
خلال إدراج كتاباتهم على صفحات مجلات وملاحق ثقافية (ورقمية ؟ أي ورقية ورقمية
) بمعنى آخرأن الإقامة الجديدة على الصفحات
الإلكترونية سيكون إجباريا على الكاتب الورقي وبالتالي سيصبح كاتبا رقميا (خلقيا)
(بكسرالخاء) بالقوة التي فرضتها الرقمية العابرة للقاراة وبالتالي أن هذا الوضع الإعتباري
الجديد لم يعد إمتيازا بنفس القيمة الرمزية والإعتبارية لدى الكتاب الورقيين كما كان
الشأن قبل عقدين من الزمن تقريبا .
إن الإنتماء إلى كونية الإنترنت كتابة وإبداعا وتلقيا
وحوارا هوبالأساس إنتماء لهوية تحدد ملامح خصوصيتها في لاهويتها ولاقاريتها وبقدرتها
بنقرة (أوكي OK) واحدة على الإنتماء للمجموعة العالمية التي لم تعد تعترف بخطوط الطول
والعرض على الكرة الأرضية . وإستنادا لكل ماسبق نطرح التساؤل التالي : ماذا حقق الإنترنت
بكونيته للكاتب الرقمي في محليته ؟؟
إن أول ملمح لظاهرة النشرالإلكتروني هوتكسيرها للجدارالرابع
للحدود الرمزية والمعنوية التي فرضتها سلطة الإيديولوجيا وديكتاتورية الجغرافيا … فلم
يعد إنتماء الكاتب قسرا إلى خصوصية ما يلتئم في نسقها الدين والجغرافيا وسلطة الرمزالإنتربولوجي
ومكونات الهوية الثقافية والمجتمعية والسياسية وإنما أصبح باستطاعة كل كاتب رقمي أن
يشكل هويته الحديثة إنطلاقا من تصوره المفرد وإدراكه الجديد لدوره في المجموعة العالمية
التي تقاسمه نفس الهموم والإهتمامات والمهام ، ونفس طرائق التواصل التعبيرية .. فأي
كاتب رقمي مغربي كيفما كان مجال إشتغاله الإبداعي والأدبي والفني شعرا أوقصة أو رواية
أونقدا أوفلسفة بإمكانه وفي ظرف زمني وجيزأن ينتمي إلى أي جماعة تتقاسمه نفس القناعات
والإنشتغالات وهكذا يصيرأي شاعررقمي مغربي منتميا لتيارشعري في فلسطين أوالعراق وقد
يلتحق بجماعة شعرية أخرى عربية وفي هولاندا أوإلى تيارالمهجريين الجدد في الأرجنتين
أوالبرازيل ..إلخ ويمكن لكل هذه الفئات مجتمعة أن تلتئم في إطارمجموعة شعرية كونية
كبرى مثل مجالس عالمية تكون لها قوتها الإقتراحية الإفتراضية التي قد تتمكن من تصريفها
على أرض الواقع لإعادة تشكيل عالمها(نا) في عالم جديد يقوم على معالم تتآصرفيها التكنولوجيا
بالثقافة .
لكن إلى أي حد سيسهم إنتماء النص الرقمي إلى هذا
اللاإنتماء الجديد في الحفاظ على قيمته الجمالية والأدبية وعلى خصوصية بنياته الدالة
في تجاورها وتحاورها مع نصوص أخرى ساقته معها بالقوة كونية الإنترنت إلى نفس السند
الإلكتروني ؟؟ وهل يمكن للعالمية أن تجعل النص/الكاتب الرقمي .. ينأى بأدبيته إلى جزيرة
أدبية الآخر(الحليف) من دون خسائرذاتية وهوياتية جسيمة ؟
قد تكون الإجابة عن هذا التساؤل في الوقت الراهن
مجازفة بحيث أن ظاهرة الأدبية الإلكترونية لم تكتمل ملامح إبداعيتها الرقمية والجمالية
ولم تفرض بعد خصوصيتها الأدبية في أوساط التلقي من أجل مقاربتها مقاربة نقدية شاملة .