باحثة جزائرية تناقش موضوعة 'المتلقي بين نظرية
التلقي والأدب التفاعلي'
خديجة باللودمو: التركيز على المتلقي ومحاولة إشراكه
في العملية الإبداعية هو الذي جعل الأدب الرقمي يفتح للأدب بابا جديدا.
استجابة جمالية
الجزائر ـ لأول مرة يناقش موضوع "الأدب الرقمي"
في جامعة قاصدي مرباح بورقلة الجزائرية وذلك من خلال مناقشة رسالة ماجستير الطالبة
خديجة باللودمو الموسومة بــ "المتلقي بين نظرية التلقي والأدب التفاعلي".
ويُعتبر هذا الموضوع مبحثا مهما من مباحث الأدب الرقمي الذي يمثّل استفادة الأدب من
التكنولوجيا ومن معطياتها ووسائطها المختلفة.
حاولت الباحثة من خلال رسالتها البحث في جانب مهم
يعتبر من أسس الأدب التفاعلي، إذا أن التركيز على المتلقي ومحاولة إشراكه في العملية
الإبداعية وعدم اعتباره كعنصر هامشي من عناصرها؛ هو الذي جعل الأدب الرقمي يفتح للأدب
بابا جديدا.
قسّمت الباحثة رسالتها إلى ثلاثة فصول؛ قدمت في
الفصل الأول نظرية التلقي في طبعتها الألمانية، وذلك بالوقوف عند مرجعياتها الفكرية
والفلسفية والتي محورها "روبرت سي هولب" في خمسة مرتكزات، لتقف عند الجهود
التنظيرية لكل من هانز روبرت ياوس وفولفغانغ إيزر اللذين حاولا النهوض بالأدب الألماني
القديم؛ فجمالية التلقي عند ياوس الذي انطلق من المعطى التاريخي مستفيدا من الجهود
الغاداميرية الهيرمونيطيقية، ليبلور مشروعه في نقاط محددة أهمها: مصطلح "أفق التوقع"
الذي يعتمد على المسافة الجمالية وخيبة الانتظار لتندمج الآفاق بعدئذ.
أما الاستجابة الجمالية عند إيزر فقد اعتمد فيها
على قضية بناء المعنى الناتج عن تفاعل النص والقارئ، مستمدا من أفكار انجاردن الفينومينولوجية،
فاهتم بــــ "القارئ الضمني" واعتبر "ملء الفراغات" من اهم مظاهر
مشاركة المتلقي، وتحدث عن الأعراف الأدبية والقطبين الفني والجمالي، واهتم بوجهة النظر
الجوالة والتدرج في فهم المعنى وغير هذه الأفكار التجديدية.
أما الفصل الثاني فقد تناولت فيه الباحثة موضوع
الأدب التفاعلي، منطلقة فيه من أثر الرقمية على الأدب: فالأدب من رحلته الشفاهية إلى
الإلكترونية استطاع أن يستفيد من الوسائط التي تمظهر من خلالها وأخذ منها ميزاته، هذا
كان مدخلا للأدب التفاعلي؛ الذي كان من الضروري الحديث عن الحاسوب والإنترنت وما منحاه
للأدب، وكيف كانت هذه نقطة تحول في مساره وممهّدا لانتقاله من صفته الورقية إلى الإلكترونية.
ووقوفا عند كتابين هامين هما "من النص إلى
النص المترابط مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي للدكتور سعيد يقطين، وكتاب
"مدخل إلى الأدب التفاعلي" للدكتورة فاطمة البريكي. حاولت الباحثة خديجة
باللودمو التعريف بالأدب التفاعلي وضبط أهم مصطلحاته؛ معرّفة بأولى النماذج الإبداعية
الغربية فالعربية.
أما آخر فصل فقد حاولت من خلاله الباحثة التركيز
على نقاط التحول في دور المتلقي بين الورقية والإلكترونية؛ انطلاقا من الوقوف عند نقاط
الاتفاق فالاختلاف بين نظرية التلقي والأدب التفاعلي في تناولهما للمتلقي ومستوى مشاركته
في العملية الإبداعية. لتضع في النهاية الأدب التفاعلي في الميزان بين قبوله ورفضه.
خلصت الطالبة في خاتمة بحثها إلى مجموعة من النتائج
الهامة: فالأدب التفاعلي جعل من الكلمة عنصرا بنائيا يساهم مع الصوت والصورة في تحقيق
العمل الإبداعي. وإن ألقت نظرية التلقي الضوء على عنصر المتلقي وحاولت إخراجه من هامشه؛
فإن الأدب التفاعلي استطاع أن يحرره من سلبيته ويمنحه صفة "المشارك". فالقراءة
الكاتبة أو الكتابة القارئة لا تتحقق إلا مع متلقّ بارع مساهم ومشارك فعّال، وهو الذي
يضمن لاخطية الأعمال الإبداعية الرقمية؛ التي تتحقق فيها صفة التفاعلية في أعلى مراتبها.
يختلف المتلقي الرقمي تمام الاختلاف عن نظيره الورقي،
من خلال درجة ونوعية التلقي والمشاركة. وهو الذي سمح بفهم بعض المقولات التي طرحت مع
النظرية النقدية الورقية؛ والتي لم تتم عملية استيعابها إلا مع النموذج الرقمي مثل
مقولة ملء الفجوات، كما أن بعض الأفكار انحرف مسارها مع الأدب التفاعلي؛ كفكرة أفق
التلقي التي طرحها ياوس.
لا يمكننا أن نتجاهل المساهمة العربية – وإن كانت
متأخرة عن نظيرتها الغربية - في محاولة فهم مقولات الأدب التفاعلي؛ فمن خلال إبداع
نماذج وترجمة مقالات برز الدور العربي في المجال الرقمي، ولا نقلّل من شأنه وقد اتسم
بالرصانة و الجرأة.
من أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة أيضا؛
عدم الإفراط في طرح مقولات الأدب التفاعلي ومحاولة خلق صراع بينه وبين النموذج الورقي
خاصة في مرحلته المبكرة هذه؛ فالتّعايش هو خير مظهر يمكن أن يطبع هذه المرحلة. كما
أن مسألتي التأصيل والريادة لا تساهم في تأسيس خطاب رقمي عربي بل الأولى مكافحة الأمية
الحاسوبية وانغلاق الذهنية العربية وتمسكها غير المبرر بالأدب الورقي بحجج ضعيفة غير
مؤسّسة، مع رفض قاطع للإبداع الرقمي في عصر اجتاحت فيه الخدمات المعلوماتية كل عوالمنا؛
ولم يعد من الممكن تجاهل هذه الخدمات.
ونوهت الباحثة أيضا بالجهود الجادة الرامية إلى
تأسيس أرضية للأدب التفاعلي عربيا، كالجهود التي يقوم بها موقع (اتحاد كتاب الإنترنت
العرب)؛ إضافة إلى الجهود الفردية تنظيرا وإبداعا ونقدا.
وختمت الطالبة خديجة باللودمو رسالتها باقتراح هام
جدا، وهو ضرورة إدراج موضوع "الأدب و التكنولوجيا" في مختلف الجامعات الجزائرية
والعناية به درسا وبحثا، على غرار مجموعة من الجامعات العربية والعالمية، هذا للاختلاف
الشديد بين المرحلتين الورقية والرقمية.
تمت مناقشة الرسالة التي أشرف على إعدادها الدكتور
أحمد قيطون في جو علمي راق بحضور الطلبة والأساتذة، وتشكلت اللجنة المناقشة من الدكتور
أحمد حاجي والدكتور عمار حلاسة برئاسة الأستاذ الدكتور العيد جلولي المهتم بهذا المجال.
وقد كانت مداخلات الأساتذة المناقشين بنّاءة ومحورية،
حاولت تقييم وتقويم ما جاء بالرسالة. وقد اتفق أعضاء اللجنة على أن اختيار الموضوع
في حد ذاته مجازفة في مجتمع متمركز، لكنه من جهة أخرى اختيار مشروع إذ أن التفاعلية
الإلكترونية هي وليدة مجتمع ديمقراطي يهتم بالآخر؛ لهذا فهذه المغامرة كُلّلت بالنجاح
الكبير كما وصفها رئيس اللجنة.