آخر الأخبار

جاري التحميل ...

تداول المعلومات عبر الانترنت وأثره في تشكيل الوعيفي عصر العولمة تاليف: باسل عبد المحسن القاضي

تداول المعلومات عبر الانترنت وأثره في تشكيل الوعيفي عصر العولمة تاليف: باسل عبد المحسن القاضي
لاشك ان البحث بهذا العنوان الكبير الواسع ،يمتد ليشمل تعريفات أساسية للمعلوماتية، وللأنترنت ، وللعولمة ، ثم تشكيل الوعي ،ولما كان عصرنا كله يقوم اليوم على، ثورة معلوماتية ،وثورة في تقنيات الاتصال – ومنها الانترنت- وثورة بالعولمة ، ومن ثم الاتجاه إلى تشكيل الوعي المعاصر، والسيطرة عليه ، وتدجينه بكل هذه الثورات والمفردات ، فلا بد لنا أن نتطرق إلى تاريخ ربع قرن من الزمن الذي حصلت -ولا زالت- فيه هذه الثورات الثلاث بمفاهيمها الجديدة على البحث العلمي والإعلامي علما انها لم تستغرق كل مفرداتها عبر هذا التاريخ القصير ، لذا ستصادفنا مشكلة التعريف الاصطلاحي لكل من هذه المفردات بما فيها من تنوع واجتهاد وحتى اختلاف
 ان بحث هذه الثورات الثلاث معناه كتابة تاريخ ثورة في الفكر –المعلوماتية-وثورة في التكنولوديا –الحاسوب ومتعلقاته والانترنت وخادمه الباحث-وثورة في السيطرة السياسية والاقتصادية للقطبية الجديدة والعالم المتقدم عموما عبر العولمة وتطبيقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية .
من هنا فان التساؤلات التي يثيرها هذا البحث كبيرة وعديدة وحتى غير نهائية لانها لازالت تعمل في الواقع المعاصر ما دام التطور ما زال جاريا على مستوى المعلوماتية والتقنيات الاتصالية والعولمة بمضامينها
من هنا فان مشكلة البحث تتسم بالسعة والشمول ولهذا وجدنا انفسنا نسرع الخطى في كثير من التفصيلات خشية الاطالة ،ولهذا ركزنا في مشكلة البحث على صناعة مجتمع المعلومات وما يفرزه من وعي وتأثير على العقول عبر الانترنت كمساحة والمعلوماتية كمضمون ، وبالتالي فقد انحصر البحث في الاجابة عن بضعة تساؤلات منها : أثر المعلومات الاعلامية او العولمة المعلوماتية في التأثير على الوعي ، ومنها الطابع القسري للفيضان المعلوماتي على الوعي ، ومنها الطابع السياسي والاقتصادي عبر الديمقراطية الالكترونية والتجارة الالكترونية كمعبرين عن مضامين الثورة المعلوماتية في إطار العولمة ،
وهكذا فقد كانت اهداف البحث محددة في الاجابة على هذه التساؤلات عبر استعراض لآراء العلماء والباحثين والتقنيين والسياسيين والاقتصاديين كل في مجال عمله .
كما خرجنا باستنتاجات على مستوى العالم الثالث عموما والوطن العربي خصوصا فيما يخص تأثير المشاركة في كتابة التاريخ المعاصر لمجتمعاتهم التي هي الهدف الاكبر لتشكيل الوعي والسيطرة عليه باعتبارهم من اقل الدول حيازة لمضامين الثورات الثلاث اولا ولأنهم الهدف الاقتصادي الكبير للدول المتحكمة في العالم المتقدم بمسيرة العولمة والمعلوماتية والانترنت  
لقد كان البحث باسلوب وصفي ومنطق فكري فلسفي لذا لم تلعب الاحصائيات دورا كبيرا في استنتاجاته
وقد كان مكان البحث هو العالم كله لان الانترنت جعل العالم كله قرية صغيرة
كما كان زمن البحث هو ربع القرن الاخير ومدخل القرن الحادي والعشرين
فالزمن هو المعاصر والمكان هو العولمة .
الفصل الاول
1-مدخل أولي
 لاشك ان عنوان هذا البحث يستغرق كل الثورة المعلوماتية وثورة تكنلوجيا المعلومات وثورة العولمة ، ومن ثم أسر الوعي البشري المعاصر في اطار كل تلك المتغيرات ، فالأنترنت كآلية من آليات تكنلوجيا المعلومات بما تعنيه من كمبيوتر وما يتبعه من استخدامات لآليات البحث على صفحات الانترنت ، انما هو منظومة معلوماتية ايضا بما تعنيه هذه المنظومة من ثقافة وتجارة ومجتمع ، كما ان العولمة كما يقودها الانترنت نفسه كمنظومة معلوماتية وأداتة سيطرة على وعي الشعوب ومحركات السلوك الفردي والجماعي ، انما هي اخطر زلزال تقع فيه البشرية اليوم ولا سابق له في التاريخ .
اذن فالبحث يحتاج الى مساحة معرفية واسعة بكل هذه الآليات  والتقنيات والمعلومات وانعكاسها على تشكيل الوعي الجماهيري المعاصر ، وبالتالي فإن أي بحث يحاول ان يغطي كل هذه المفردات والمساحات من معلوماتية الى تقنيات  الى اغراق الوعي الانساني وشبكته العصبية تقود بالتالي الى سلوك مبرمج عبر النظريات النفسية وصولا الى البرمجة الكاملة التي تسود جميع هذه المعطيات العلمية والتقنية ، وكأنما هدف هذه الحضارة التي اطلق عليها البعض حضارة الحاسوب والانترنت هو اصطياد السلوك الانساني وتدجين الانسان ضمن سلوكيات تجارية واعلامية واجتماعية ونفسية محددة .
لهذا السبب فإننا لا يمكن ان نغطي البحث بكل تفاصيله الا من خلال لغة حديثة تعتمد اللغة المركزة والتوصيف المختصر البليغ   المعبر بأقل ما يمكن من الكلمات والجمل عن اعمق واكثر ما يمكن من الاسباب والنتائج ووجهات النظر.
ان اول عمل يمكن ان ندخل به هذا البحث الواسع هو التعريف بالمصطلحات التي سنستخدمها والتي قد تستغرق الاجابة على بعض تساؤلات البحث ،فمن يدخل هذا الوسط عليه ان يحدد معاني الانترنت ، المعلومات ،الوعي ،والعولمة ، وبدون تحديد هذه المعاني والمصطلحات لن نستطيع ان نبحر في هذا البحر الواسع من المعلومات وعصر العولمة وبرمجة السلوك عبر تشكيل الوعي ،
2-الانترنت
آلية معلوماتية وتقنية اتصالية
     لو حاولنا ان نستعرض كل التعريفات التي عرفت بها شبكة المعلومات الدولية –الانترنت-لاستغرق منا مساحة كبيرة تتجاوز قدرة هذا البحث ومساحته المتاحة ،علما ان لكل تعريف هدفا محددا حسب غاية المعرف ، لذا فإننا سنقف على بعض التعريفات التي تخدم البحث ، أي تعريفات ذات طابع معلوماتي اولا ، وذات طابع تقني ثانيا ، فماذا نجد لدى الباحثين في هذا المجال ؟
يعرف الخبير المعلوماتي الدكتور نبيل علي ظاهرة الانترنت كمنظومة من خلال المنظور الثقافي لها بقوله{الانترنت او شبكة الشبكات تحدث كثيرون –مفكرون واعلاميون وفنيون –عن الانترنت ، ذلك الماموث الشبكي الكبير ،ذي الفضاء المعلوماتي  المتناهي الضخامة الدائم الامتداد والانتشار ، والذي يقدر عدد رواده بـ 800  مليون نسمة بحلول عام 2004 ،انها تلك الغابة الكثيفة من مراكز تبادل المعلومات التي تختزن وتستقبل وتبث جميع انواع المعلومات في شتى فروع المعرفة ، وفي جوانب الحياة كافة من قضايا الفلسفة وأمور العقيدة الى احداث الرياضة ومعاملات التجارة ، ومن مؤسسات غزو الفضاء وصناعة السلاح الى معارض الفن ونوادي تذوق الموسيقى ، ومن الهندسة الوراثية الى الحرف اليدوية ، ومن البريد الالكتروني الى البث الاعلامي ، ومن المؤتمرات العلمية الى مقاهي الدردشة وحلقات السمر ٍ، ومن صفقات بورصة نيويورك الى مآسي المجاعات والأوبئة في أرجاء القارة السوداء
انها اذا تغطي كل مساحة المعرفة الانسانية ، وإقامة علاقة بين الانسان وعالمه وأشياءه ، أي انها بتعبير الدكتور نبيل علي اصبحت { نافذة الانسان ، يواجه من خلالها العالم على اتساعه بحيويته المتدفقة ودينامياته الهادرة ، وإشكالياته المتجددة المتشابكة والمتراكمة ، إن شبكة الشبكات هذه تعيد صياغة العلاقة بين الانسان وعالمه ، بين الفرد ومجتمعه ، بين ثقافة المجتمع وثقافات غيره ،لقد اصبحت الانترنت بكل المقاييس ساحة ثقافية ،ساخنة ، ووسيطا اعلاميا جديدا ، ومجالا للرأي العام مغايرا تماما لما سبقه)
ولو استخدمنا صيغة التشبيه لتقريب بعضا من مفاهيم ومعاني الانترنت لقلنا انه حينما يدخل انسان الى مكتبة فيها ملايين الكتب فإذا اراد قراءتها لاستغرقته عمر البشرية كلها قبل ان يكمل قراءتها فكيف يستطيع التعرف على ما فيها من معلومات تعنيه ويحتاجها في حياته ووظيفته ومعيشته؟
هنا هي مكتبة المعلومات اللانهائية قياسا الى عمر الانسان ، فهو لا يستطيع ان يستفيد من هذه المكتبة على غناها إلا بآلية الفهرسة المكتبية المعروفة ليعرف على الاقل مكان كل علم او معرفة او تخصص ، ولكن حتى لو اختار التخصص ووجد مكانه فإنه سيجد آلاف الكتب فكيف يستطيع أن يتصفحها أو حتى على الأقل قراءة فهارسها ليحدد ما يريد منها ، انه لا يستطيع ذلك لان هذه الطريقة عشوائية اضافة الى مساحتها الكبيرة ، من هنا كان لابد ان يجد آلية تعرفه بسرعة فائقة على ما يريد استعراضه من مضامين هذه الكتب دون ان يمد يده لتصفحها وتقليب صفحاتها .
هذا التشبيه المقرب لعمل الانترنت والحاسوب الذي يشتغل عليه ومن ثم الخادم الذكي الذي يبحث له عن مفاتيح المعلومات والمعرفة التي يريدها من هذا الكم اللانهائي من الكتب .لقد فتحت الانترنت المكتبة امامك لتتصفح ما تريد منها بسعة خارقة قياسا الى التصفح اليدوي والقراءة الميكانيكية ،
ولو حاولنا ان نستعين بالارقام لقياس كم المعرفة والمعلومات المتوفرة اليوم مقارنة بعمر الانسان القاريء لوجدنا الصورة اوضح حيث تقول الارقام مايلي   { يقول علماء المعلوماتية عن انفجار المعارف وفيضانها –ان مجموع المعارف ابتداء من السنة الميلادية الصفر قد تضاعف اول مرة سنة 1750 ، ثم تضاعف سنة 1900 ،ثم تضاعف سنة 1950 ،ثم تضاعف سنة 1960 ،ليأخذ هذا التزايد بعد هذه السنة منحى أسيا غير مسبوق في تاريخ البشرية ، ومعنى هذا ان العالم قد انتج من المعلومات خلال الثلاثة عقود الأخيرة فقط ما لم ينتجه طيلة خمسة آلاف سنة ، ومعناه ايضا أن قارئا قادرا على قراءة ألف  كلمة في الدقيقة يقرأ لمدة ثماني ساعات يوميا ، يحتاج الى شهر ونصف لقراءة انتاج يوم واحد ، في الوقت الذي يجد نفسه قد تاخر خمس سنوات ونصف عن مواكبة انتاج المعلومات )
اذن كان على الانترنت ان يقدم خدمته عبر الانتقال من الباحث البشري الى الوكيل الآلي الذكي بعد ان اصبحت المعلومات اكبر من ان يحصيها احد انه الفيضان المعلوماتي الذي لايمكن لاي قدرة بشرية طبيعية ان تستوعبها الا ان الانترنت يقدمها سهلة مبرمجة تتناسب وعمر الانسان ومدى قراءته{ لقد فتحت الانترنت بوابات الفيضان المعلوماتي على مصاريعها ، لتصبح مشكلة الافراط المعلوماتي من اخطر المشاكل التي نواجهها حاليا ، وأصبح في حكم المؤكد استحالة التعويل على الوسائل البشرية وحدها لمسح الشبكة دوريا بحثا عن المعلومات المطلوبة ، وكان لابد من أتمتة هذه العملية وذلك باللجوء الى ما يسمى بالروبوت المعرفي knowbot او البرمجي softbot  بصفته وكيلا آليا يحال اليه القيام بهذه المهام الروتينية الشاقة ،
ان الروبوت المعرفي هو –شغال- الانترنت المطيع الدؤوب الدائم التجوال بين ارجاء الشبكة لتنفيذ المهام الموكلة اليه والوكيل الآلي ليس الروبوت الغشيم بل له نصيب من الذكاء الاصطناعي يمنحه القدرة على التحليل والاستنتاج والتوقع ،وله أيضا استقلالية في اتخاذ القرارات وفقا للسلطات المخولة اليه ،وإقامة الحوار مع زملاء عشيرته ليعملوا كفريق عمل متكامل اقرب ما يكون الى عمل مملكة النمل)  .
لقد عانى الباحثون كثيرا من عدم القدرة على فهم وفقه معنى الانترنت وهو يعمل على إيصال كم المعلومات الهائلة في سرعة ضوء خارقة في برمجة ذكية ، حتى ان احد الباحثين وضع عنوانا فرعيا لبحثه سماه تعريفات الانترنت العالمية اللغات السريعة قال فيه {لا تحصى تعريفات الانترنت وشروحها الكثيرة فهي تشكل مادة العصر وتطبعه لا تعود لاحد بل للعالم كله ، توحد الجماعات وتفتح آفاق المعرفة وتنمي بساطة الحشرية …وتفتح -النوافذ – مساحات اتصال واسعة كانت غير مباحة من قبل تجعل المرء لا يعرف اين يحط الرحال وقد ينسى من اين جاء قبلا …انها الشبكة المتحررة من كل العوائق والقوانين والشروط اللغوية ، انها مجانية وتدافع في المطلق عن حريات التعبير حتى الاتصال يتم بأسماء مستعارة اذا شئنا ، وتصبح الانترنت بهذا المعنى الواجهة التجارية العالمية للاتصال بالخارج ، وضعت حدا نهائيا لتاريخ المرسل في الاعلام وحتى لا يفرض فريق ثقافته واعلامه في وقت معين ،
هكذا ينتهي تاريخ الازدواجية بين الانتاج والاستهلاك ، ويتمكن أي فرد من تاسيس بنك معلومات خاص به يطرحه وفقا لمزاجه وأوقاته ومراميه ، والانترنت هو السوق العالمية والثقافية الواسعة ، ومكتبة العالم الخيالية وهو حاجة معاصرة وأهم تطور ثقافي منذ سيطرة الانسان على النار …لكنها سيطرة مستجدة تقتل لغاتنا المألوفة الجميلة وفي الوقت نفسه تجذبنا نحو لغات ومفاهيم اتصالية .
 كان من المستحيل ايجاد ابرة في قفة من التبن وسقطت الصورة مع الانترنت حيث يمكننا ان نجد ما نريد تحت نقرة الفأرة تأخذنا الى ملايين المفاتيح الجاهزة ، كلمات تفتح نوافذ لا تنتهي من المعرفة ،
فالانترنت هي نهاية الجغرافيا والخلاص من محددات السجون التي طبعت الكرة والحدود ، وهي غزو العقول وتكييف  المنطق وتوجيه الجمال وصنع الاذواق وقولبة السلوك ، وترسيخ قيم عالمية جديدة ، وهي التي تنقلنا من القبيلة الضيقة الى القبيلة البشرية الكبرى ، وتمنحنا الثقافة السريعة ، وتجعل بمتناولنا المعارض السريعة والفن والرسم والموسيقى ، وهي الملاذ الوحيد الواسع لديمقراطية المعرفة في الأمكنة والأزمنة كلها ومن دون قيود ، ويبدو انها التجسد الفعلي للقرية الاعلامية الالكترونية التي رددها الناس .. وانتظروا حلولها مثل الاحلام .
لقد باتت الانترنت من الوسائل الناجحة لتحقيق نزعات القوى الدولية نحو العالمية او الكونية ، وأظهرت بصورة جلية اقتصاد عصر المعلومات التي لا تنقص خلافا للموارد المادية بل تزيد مع تزايد استهلاكها
لقد بدأ العصر يوصف بأنه عصر الانترنت للأثر الكبير الذي تركته هذه الشبكة على واقع الانسان اليوم وقد اعتبرها البعض اعظم ثورة بعد الثورة الصناعية حيث يقول احد الباحثين { يشهد العالم منذ ما يزيد على ربع قرن ثورة علمية وتكنولوجية فاقت في أهميتها وتأثيراتها ونتائجها ثورة القرن الثامن عشر الصناعية في اوربا ، هذه الثورة كان الاعلام الالكتروني والاتصال والمعلوماتية من ابرز مظاهرها ، فقد أكدت العديد من الدراسات ان شبكة المعلومات العالمية injernetion net wark هي أهم وأعظم ما أفرزته التطورات الهائلة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال tic والتي اسهمت في إحداث تأثير بالغ الأهمية في ظرف زمني قصير جدا لا في بيئة وسائل الاعلام والاتصال فحسب بل أيضا وبشكل جذري في جميع أنماط التعامل وأساليب التفكير والحياة ، كما يؤكد ذلك محمد العمر .. الانترنت أوجدت أنماطا لا للتواصل والعمل والتجارة فحسب ، إنما نمط جديد للحياة يفرض تحدياته علىالانماط التقليدية التي ألفها الناس من قبل في كل شيء وأهم ذلك إمكانية الوصول الى بحر لاتعرف شواطؤه من المعلومات )   .
ويطلق الدكتور اجقو علي على الانترنت بانها ثورة ثقافية وليس مجرد ثورة تقنية حيث يرى ان من بين الاستخدامات التي برزت بشكل كبير منذ بداية  ما يمكن تسميته عولمة الانترنت ما قامت به وسائل الاعلام المختلفة والتي استطاعت الاستفادة بدرجات متفاوتة من امكانيات الوسيلة التكنلوجية ، ويقارن بين وسائل الاعلام الاخرى كالراديو والتلفاز يبرز تطور ونمو هذه الشبكة حيث يرى ان المذياع احتاج الى 83 سنة حتى اصبح لديه مليون مشترك ، بينما احتاج التلفاز الى 51 سنة ، في حين ان شبكة الانترنت لم تحتج سوى بضع سنوات ان لم نقل اربع لتخطي الحواجز .
ان العالم الثقافي والفكري والحضاري عموما الذي صنعته شبكة الانترنت اليوم يتجاوز المفردات البسيطة التي ينبيء عنها نقل المعلومات عبره الى حيث بدأ المجتمع كليا يتغير ، فأصبح مجتمعا انترنيتيا اتصاله يقوم على الشبكة بدون حضور مادي او لقاء حسي بل نبضات كهربائية تنتقل بين الجانبين ، بل ان فهم التراث نفسه تغير عبر هذه المعطيات الجديدة ، انه عالم جديد ومغاير كليا للعالم قبل الانترنت .
يقول احد الباحثين في هذا المعنى {اضحت المعلومات من اهم مقومات البنى التحتية لصناعة ثقافة الخطاب الصحفي بعد ان عصفت تقنيات المعلومات ونسيج الانترنت بجل مفردات المنظومة المفاهيمية في عصرنا الراهن ، فبجانب توفيرها لموارد الخطاب الصحفي بتجلياته الثقافية والسياسية والاجتماعية ، فإن التقنيات الرقمية الجديدة وآليات الذكاء الاصطناعي قد احدثت تغييرا حاسما في طبيعة فهمنا للتراث والفكر بعد ان تحول النص الاحادي الى نص متشعب ، واصبح الخطاب عرضة لسلسلة من عمليات المعالجة المحوسبة التي ينقر فيها داخل البناء اللغوي والدلالي للنص للوصول الى الانموذج الذي اسهم في توليد الافكار وأنشأ الصرح المفاهيمي للفكر ، وقد تعمقت الوشائج التي تربط الموارد المعلوماتية بالادوات التقنية بعد ان اصبحت الافكار والثقافات عبارة عن نبضات رقمية محفوظة في وسائل خزن مغناطيسية ويتم تداولها بشكل حزم رقمية تسري عبر شبكات رقمية تلف كرتنا الارضية ، فلم يعد للخطاب وجود دون ارضية رقمية تسري فيها النبضات الرقمية التي تترجمها الى نص مقروء او خطاب مرئي او مسموع ) .
ويحدد الكاتب مساهمة الفضاء المعلوماتي للانترنت بالفضاء الثقافي من خلال مجمعة العناصر التي يتألف منها والتي تشمل كما يقول{
فضاء مفتوح للتجارة الالكترونية بوصفه موطن تسوق الكتروني  لمختلف انواع السلع والخدمات المطروحة للاستهلاك
وسط مجتمعي تتم من خلاله انشطة النقاشات والتواصل مع الآخر عبر حلقات الدردشة ومجاميع الاخبار والبريد الالكتروني
بيئة ثقافية ومعرفية  culture media  يتم من خلاله تبادل المعلومات والمعارف بشتى صورها وانواعها عبر  الخطاب العلمي والثقافي في مواقعه الكثيرة
بيئة سياسية مستحدثة تمارس من خلالها عمليات متباينة لترجمة الخطاب السياسي الى فعل معلوماتي يملك تأثيرا ملموسا على الجهة المناوئة
بيئة تنظيمية مستحدثة لادارة وتنظيم الانشطة التقليدية عبر وسط معلوماتي يذلل الصعاب التي تشخص امام الفعل التنظيمي على ارض الواقع ويتجلى ذلك واضحا في تقنيات ادارة حركة الصناعة والتجارة والخدمات عبر الفضاء المعلوماتي وبعيدا عن الآليات القديمة التي تعاني من بطء ملحوظ
بيئة لهو ملوثة قد شحنت بجميع انشطة الفسق والفجور التي توظف الخصائص الفريدة لحضارة الصورة وثقافتها لاشباع واستدراج الشهوات الانسانية وتضليلها واجتذاب الشباب وتوسيع دائرة العهر بحيث اصبح في متناول الجميع وبعيدا عن اعين رقابة المجتمع والتقاليد )
 ترى هل ان توفر المعلومات بسهولة لكل الناس هي مسألة سلبية ام ايجابية اذا كان الانترنت هو الوسط الناقل لها؟
لقد بشر بعض الباحثين بأن الانترنت سيحقق ديمقراطية في المجتمع الحديث بما لم يتوفر سابقا له وسيحقق عدالة اجتماعية من خلال هذه المعرفة المتاحة للجميع فيقول {الانترنت بإتاحتها المعلومات والمعرفة –اهم موارد التنمية-للجميع على حد سواء ، ستوفر مناخا افضل لتحقيق العدالة الاجتماعية ، وتمنح فرصا متكافئة للتعليم والتعلم مما يضيق الهوة الفاصلة بين العالم النامي والعالم المتقدم ، ويقلل الفوارق بين الفئات الاجتماعية المختلفة ،
وعلى النقيض من ذلك هناك من يؤكد ان الانترنت يزيد من حدة الاستقطاب الاجتماعي بين من يملك ومن لا يملك ، وسيؤدي الى ظهور نخبة جديدة تجمع بين القوة المادية لرأس المال  والقوة الرمزية المتمثلة في المعارف والمعلومات ان المعلومات عبر الانترنت في رأي هؤلاء  لن تظل حرة طليقة مشاعة للجميع ، وذلك بعد ان ادركت القوى الرأسمالية التقليدية المغزى الاقتصادي للموارد الرمزية ، وهم مصممون على ان يحيلوا المعلومات والثقافة الى سلع تباع وتشترى وفقا لقانون العرض والطلب .
ان هناك من يزعم ان هذه التكنولوجيا المستحدثة ستحقق درجة غير مسبوقة من الشفافية –احد الشروط الاساسية لممارؤسة الديمقراطية-فهي تمثل وسيلة عملية لاطلاق حرية الانسان في ان يحصل في أي وقت وفي أي مكان على كل ما يحتاجه من معلومات ، وأن يبعث في أي وقت والى أي مكان ما يتراءى له من أفكار وآراء ،
على النقيض من ذلك هناك من يؤكد انها تنطوي على تهديد حقيقي لخصوصية انسان اليوم ، وقد باتت بياناتها الشخصية متاحة لاجهزة الرقابة والسيطرة عرضة لاستغلالها في كشف المستور وما تختلج به الصدور وتشفى به العقول ،
ان الحرية المطلقة الموعودة ما هي الا خداع ، وقد بدأت الطبقية ذلك العدو اللدود للديمقراطية تتسلل الى شبكة الانترنت التي تحتوي حاليا على عدد من النوادي المعلوماتية خاص بالاعضاء فقط تقتصر عضويتها على نخبة متميزة من حملة بطاقات العضوية او من يعرف كلمة السر –الشفرة-التي تتيح له النفاذ الى بوابة المعلومات الراقية ، فلا مكان هنا للحرافيش او المتسكعين في دروب هذا الماموث المعلوماتي )  .
ان هذا التأثير الكبير والخطير لشبة الانترنت على المجتمع خلق علوما جديدة متصلة بدور الاعلام والانترنت كوسيلة اعلامية في التأثير على الافراد والجماعات ، من هذه العلوم ما يسمى علم اجتماع الاعلام ، فالانترنت كوسيلة اتصال واعلام لم يقتصر على تطور قوة البث وقوة الاستقبال فقط ، وإنما أدى  الى ترك آثار واسعة على البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، ومن هنا تحول الى قضية هيمنة يقول احد الباحثين في هذا العلم { ان التقنيات الاتصالية الجديدة هي بمثابة الزلزال الذي هز ومن ثم خلخل المرتكزات الاساسية للبنية الاعلامية القديمة بصورة شاملة ، بدءا من التقنيات المستخدمة ونمط العمليات الاعلامية  والاساليب  المستخدمة وانتهاء بوظائف الاعلام ذاته)  –ويؤكد على {ان التغير الذي طرأ على حجم عملية الاتصال والدور المناط بها يتصل مباشرة بعملية تدويل الانتاج والبث والتصدير وكلها ذات علاقة باستخدام انماط جديدة لممارسة الهيمنة السياسية ، لهذا ان وظائف الاعلام ووسائله تبدو مختلفة عما سبق ، وترتكز بصورة اساسية على تهيئة الاجواء والقناعات وبلورة مشاعر مستهلكي المادة الاعلامية بأنهم ينتمون الى بيئة سياسية دولية او البيئات المعرضة لمثل هذه الحملات في مقاومة التسلط والدفاع عن حقوق الانسان المقهور اجتماعيا في تبني ثقافته وسياسيا في ضمان حريته ووطنيا في ضمان استقلاليته)
ان ثورة الاتصال التي احدثتها الانترنت غدت اليوم من أهم الوسائل التي  تستعملها القوى السياسية المستنيرة  لتحرير الشعوب من الاستبداد والظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي حيث وفرت الانترنت امكانات كبيرة على كافة المستويات وخاصة السياسية والاعلامية ويمكن اجمال بعضها بما يلي :
1-تسهيل الحصول على المعلومات وهي لا تزال طرية من مصادرها المباشرة ، فبمجرد نقرة على شاشة الكمبيوتر ينتقل القاريء من موقع الى موقع أينما أراد على وجه الارض ، ويقرأ أي موضوع يشاء بأي لغة يفهم دون مصادرة او قيود
2-تسهيل إيصال المعلومات الى الجمهور دون تحكم من الحكام المستبدين او رجال المال المحتكرين لملكية وسائل العلام ، وتوفير المعلومات الصحيحة هو اول خطوات التغيير ، وقد كان احتكار اهل السلطة والثروة للمعلومات في الماضي من اهم الوسائل التي يحتمون بها
3-التمكن من ايصال الرسالة الاعلامية  بالشكل الذي يريده المرسل دون تدخل موجه من اباطرة الاعلام الذين اعتادو التصرف في المعلومات التي تصلهم وصياغتها واخراجها بالطريقة التي تخدمهم على حساب المرسل الاصلي ورسالته بل يقدمون الرسالة  بصورة تخدم نقيض ما اراد مرسلها
4-رخص ثمن الاتصالات بل ومجانيتها في اغلب الاحوال مما يجعلها متاحة للجميع ولا مجال لاحتكارها من طرف الحكومات القمعية او الشركات الاحتكارية  ومن فوائد رخص ثمن الاتصالات اشراك عامة الناس في المعلومات ، وتلك هي الخطوة الاولى لاتخاذ الموقف السياسي الرشيد .
5-ورغم ان الحكام الدكتاتوريين يميلون الى التضييق  على تكنلوجيا الاتصال الحديثة مثل الانترنت خوفا من انفلات الامور من قبضاتهم ، فقد بدأ الاعلام الالكتروني يقضي على اعلام الورق –الصحف- وبدأ يضايق اعلام الصورة –التلفزيون- وهو مرشح للسيادة في المستقبل بسبب الميزات العديدة التي يمتاز بها على الاعلام التقليدي
اما ميزات الاعلام الانترنيتي على الاعلام التقليدي فيمكن اجمال بعضها فيما يلي :
( المزيد … )  

عن الكاتب

ABDOUHAKKI

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا